-A +A
عبدالله بن فخري الأنصاري
لا تزال الآثار العديدة التي خلفتها الهجمات الإرهابية على الولايات المتحدة في 11 سبتمبر تلقي بظلالها على حاضر ومستقبل الحريات المدنية في أمريكا. فقد مرر الكونجرس هذا الشهر مشروع «قانون حماية أمريكا» والذي تم بموجبه تعديل قانون مراقبة المخابرات الأجنبية الصادر في عام 1978م ليمنح سلطات أوسع للمراقبة والتنصت تسمح بمراقبة المكالمات والبريد الإلكتروني، بين أشخاص داخل الولايات المتحدة وعناصر في الخارج مشتبه بتورطهم في قضايا إرهابية، دون الحصول على إذن قضائي. ولا يقف مشروع القانون عند هذا الحد. فقد أبدى العديد من أعضاء الكونجرس قلقهم إزاء اللغة الغامضة والمبهمة التي استخدمت في صياغة القانون والتي يمكن أن تسمح للإدارة الأمريكية الحالية بعمليات تجسس تتجاوز بكثير عمليات التنصت لتشمل نوعا من التفتيش الذاتي للمواطنين الأمريكيين وجمع معلومات عن نشاطاتهم التجارية دون إذن من المحكمة. كما يعطي القانون الجديد لمدير مكتب الاستخبارات الوطنية الأدميرال مايك ماكونيل، ووزير العدل الأمريكي ألبرتو جونزاليس سلطات تقديرية واسعة لإقرار إجراءات جديدة للطريقة التي تتم بها عمليات التنصت. وربما كان الاستعجال في تمرير مشروع القانون قبل عطلة الكونجرس في أغسطس قد أدت إلى قيام المشرعين الأمريكيين بتمرير مشروع القانون دون فهم كامل لنصوصه وآليات تطبيقه، الأمر الذي أدى إلى منح الإدارة الأمريكية الحالية صلاحيات أوسع للمراقبة والتجسس أكثر من تلك التي سعت إليها الإدارة.
وثمة عناصر مهمة تسببت في هذا التوجه نحو سن سلسلة من التشريعات الجديدة وإعادة تفسير تشريعات قديمة منحت السلطة التنفيذية عدة صلاحيات جديدة ظهرت من خلالها أوجه القلق حيال التدخل المفرط في حياة المواطنين الخاصة دون تعريف واضح لحدود هذه الصلاحيات. أحد هذه العناصر يعود إلى حالة الخوف الأمني المرضي أو (برانويا الأمن) التي نمت عقب هجوم 11 سبتمبر. فالأساليب الإرهابية هدفت إلى فرض جو من الخوف والهلع أجبرت الحكومات على سن تشريعات خاصة لتجنب المزيد من الهجمات، وبات الهاجس الأمني يستنزف موارد الدولة. كما أدت هذه الهجمات إلى إحساس المواطن الأمريكي بحالة من انعدام الأمن أعادت تشكيل اهتماماته الأساسية. فالأمريكيون وفقا لآخر استطلاعات للرأي، ورغم تمسكهم الكامل بمجموعة واسعة من الحريات المدنية ورفضهم للتدخل المفرط في حياتهم الخاصة، باتوا يدعمون عمليات التنصت على محادثاتهم الهاتفية مما قد يعكس للوهلة الأولى ميل المواطن الأمريكي نحو تعزيز الأمن القومي على حساب الحرية الشخصية. إلا أن هذا الوضع أدى إلى فرض نمط جديد من الحياة دخيل على المجتمع الأمريكي أدى إلى شعور متباين كرس حالة من عدم الرضا عن الوضع الأمني في البلاد من جهة وضجر واستياء من القيود الجديدة على حرياتهم الشخصية من جهة أخرى.

وثمة عنصر ثان هو الطريقة التي تُستغل بها تلك الأحداث. فقد تم استغلال أجواء ومشاعر الغضب في الولايات المتحدة عقب هجوم 11 سبتمبر لتمرير سلسلة من القرارات السياسية والقانونية الجوهرية التي كان لها الأثر البالغ على الحريات الفردية. يأتي ذلك وسط قلق الكثير من الساسة والمشرعين الأمريكيين المعارضين لمنح الإدارة الأمريكية سلطات تنفيذية واسعة من أن الأخيرة سوف تلصق بهم تهمة التعاطف مع الإرهابيين أو عدم دعم القوات الأمريكية في حربها ضد الإرهاب. وتعد هاتان التهمتان، بالإضافة إلى أساليب التخويف جزءا من أي حملة تقودها الإدارة الأمريكية لحمل وإجبار المعارضين على تمرير التشريعات للحصول على مزيد من الصلاحيات مما أفقد الكونجرس مسؤوليته الأساسية في ممارسة الرقابة على أعمال السلطة التنفيذية، وضمان أن تلك الصلاحيات الجديدة تمارس وفق إجراءات دقيقة. وعلى الرغم من تلك الصلاحيات الواسعة ترفض الإدارة الأمريكية الالتزام بالحدود المنصوص عليها في مثل هذه التشريعات الجديدة تاركة الباب مفتوحا أمام استخدام الرئيس الأمريكي لما وصف بأنه سلطته الدستورية خارج نطاق القانون أو الضوابط التي حددها الكونجرس. الواضح أنه ليس هناك من أدنى شك أن لأي دولة الحق في أن تتخذ الاحتياطات اللازمة لضمان أمنها وسلامتها ضد أي هجمات إرهابية. لكن بالضرورة يجب أخذ الاحتياطات اللازمة ضد الآثار النفسية للإرهاب لكي لا تتعدى التدابير التي تتخذ في سبيل الأمن حالة الحذر إلى حالة الذعر والهلع والاستغلال ومن ثم الفوضى في السلطتين التشريعية والتنفيذية، وهي نتائج لم يحلم الإرهابيون أنفسهم بتحقيقها.
afansary@yahoo.com